شيخ الإسلام و المسلمين أبو الحسن الأشعري
شيخ الإسلام و المسلمين أبو الحسن الأشعري
كان من كبار الأئمة المجتهدين والمجددين الذين حافظوا على عقيدة المسلمين واضحة نقيَّة، وتبعه جماهير العلماء على مرِّ العصور حتى يومنا الحاضر. وكان في أول حياته على مذهب الاعتزال، ثم تاب وتراجع بعد ذلك، وتبرَّأ من الأقوال التي كان يقولها المعتزلة، من القول بخلق القرآن وأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلتين وغير ذلك من أقوالهم، وأصبح أهل السنة ينتسبون إليه، حتى لقب بإمام أهل السنة والجماعة. وقد نبغ الأشعري في العلوم العقلية، واشتهر بقوة الجدال والمناظرة بجانب محافظته على النقل. وبجانب براعته في علم الكلام كان أيضاً فقيهاً وعالماً ومحدثاً، يميل كثيراً إلى حياة الزهد والبساطة، وكان متصوفاً في أغلب سلوكه.وقد بلغت مؤلفاته نحو مائتي كتاب. وقيل: بلغت مصنفاته ثلاثمائة كتاب.
جعل هدفه الأسمى توحيد كلمة المسلمين على المنهج الوسطي المعتدل ورفض التطرف بكل أنواعه، تطرف المعتزلة الذي أدى بهم إلى رد كثير من نصوص السنة الصحيحة، كما رفض تطرف الجهة الأخرى وهي جهة المجسمة المشبهة الذين غالوا في إثبات ظواهر نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية حتى وصلوا إلى التشبيه والتجسيم، كما تلقفوا من الأخبار كل سقيم وضعيف، فوصلوا إلى عقيدة أقرب إلى الوثنية. ولما كانت الوسطية أهم سمات الإسلام -وهي السمة التي ساعدته على البقاء والاستمرار- استمر مذهب الإمام الأشعري على نفس الوسطية، فأعترف بالعقل الذي انتصر له المعتزلة وآمن به وجعله مساعداً لفهم للنص ورديفاً له لا بديلاً عنه، كما آمن بالنص الذي زعم الحشوية التمسك به، لكنه أعمل النص في مجاله والعقل في مجاله دون أن يجحف بحق واحد منهما حين يدخله في غير مجاله، وبذلك دان جمهور المسلمين بهذا المذهب. قال الإمام قاضي القضاة الحافظ تاج الدين السبكي رحمه الله في كتابه معيد النعم ومبيد النقم ص75 {وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة، ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة والجماعة أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الإعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم وبرّأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعري عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعرية هي ما تضمّنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة} انتهى تنبيه: عندما نقول أن الأشاعرة أهل السنة والجماعة فينبغي أن لا يفهم بأننا قد استثنينا الماتُريدية والمفوضة. عندما أعلن الأشعري رضي الله عنه انتصاره للحق الذي ورثوه من التابعين عن الصحابة عن الرسول، كان علماء الحديث والتفسير والفقه كلهم قد أحدقوا به وأيدوه. إن الإمام الأشعري رحمه الله عندما نافح ضد المعتزلة ليبين عقيدة السلف الصالح، استخلصها وحررها فسميت حين إذ بالعقيدة الأشعرية. قال الحافظ ابن عساكر في «تبيين كذب المفتري» بعد أن ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم للأشعريين أن يعلموا جيرانهم ويفقهوهم في الدين: "فالأشعريون بالفقه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم موصوفون، وبالعلم عند الأعلام من الصحابة معروفون، وأشهرهم بالفقه والعلم في ذلك الزمن أبو موسى الأشعري جد الإمام أبي الحسن، وكفاه بذلك عن العلماء شرفاً وفضلاً، وما أسعد من كان أبو موسى له سلفاً واصلاً؛ فالفضل من ذلك الوجه أتاه، وما ظلم من أشبه أباه". ويذكر الإمام الشهرستاني في «الملل والنحل» أن طريقة أبي الحسن الأشعري هي طريقة جده الصحابي أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في جدله مع عمرو بن العاص رضي الله عنه.
تعليقات
إرسال تعليق